السبت، 26 نوفمبر 2016

هروبٌ إلى الوراء

ينبلجُ الضوء من رحمِ "العتمة" فتَخلع صفحة السماء عنها ثوب الحداد، ويتفتّحُ النهار زهرةً على الخدود. هي تنهيدة السماء عوض الجميع، هي صباحات الجميع الباكرة، هي لون الأمل ورائحة من نُحب. 
في كلِّ صباحٍ نشتهي سماعَ صوتَ (كلّّ من نحبُّ) / و(كلُّ من نحبُّ سماعََ صوتهم) (كلَّ صباحٍ): همُ "صباح الخير". أن يرافقونك بحناجرهم إلى حيث تشتهي الذهاب ولا تذهب، فتتخيّر مجالسة أصواتهم وعقد "رقية" من جناس نبراتهم فترتاح. أو حيث تأخذك "الارادة" دون أن تدري: تغادر الأرض حيثُ السحاب ممتطيا الأجل ومخلّّفا ورائك مساحة صغيرة رحيقها العمل.
عند المساء، عادة ما تُركن المشاريع المستقبلية جانبا، وتُستدعى رائحة الغبار من ثقوب الشبابيك المهملة، من شقوق الحائط الغائرة، من سقف الغرفة الخشبي .. ومن ذاكرة المجانين والمتاعيس والفيلة.
تسري "العتمة" على مهلٍ، تحوّط المكان وتتغلغل في القشور وتنفذ إلى الأفئدة. 
مساء الخير بعد الصباح.
19.35 

الخميس، 24 نوفمبر 2016

مدَدْ

وجه حالها يقول :
أبتسم وبداخلي حدائق لا تطمئن إليها غير الوطاويط.
أبتسم ليغمرني الضوء فتستحيل الوطاويط: فراشاتٍ.
أبتسم فتخنقني الفراشات، في فيض ألوانها ما يربكني.
أبتسم فتهجرني ألوانها، وتبقي الفراشات مشوهة مثلي.
أبتسم مكرهة، كي لا أسلبها (فراشاتي) الطريق بعد.
فراشاتي تبتسم بداخلي مثلي (تعلمت الابتسام منّي)
2016/11/25
19.30



الأحد، 20 نوفمبر 2016

وجوه عائمة (2)



مربع جليز غائر، تجمّعت في زواياه الأوساخ وتراكمت، لدرجةٍ استحال التخلص منها.
ومع مرور الزمن عليها والأقدام، تحوّلت إلى جزء من القطعة.. أصبحت وجها.
ساق المائدة الأقصر، تستقبل المسبّات والشتائم، كلّ ما اجتمع طلبة الأكل والحديث حولها.
تُؤكل هي أيضا نيْأة. تصرخ كل ما مالت الجهة نحوها.
تتمنّى الطرش لتصبح بطرشها إنساً.
هامة تمشي إلى البعيد، أبقت تفاصيلها على سطح الذاكرة وإختفت عن مرمى البصر رويدا رويدا. صارت شجرة
يدان تلف وجها صغيرا، تسدّ عنه الهواء والأعين، يدان تخفيان مدينة وشوارع ورؤوس صغيرة أخرى. صارت اليد قاربا والوجه بحر يضيع في فضائه الكلام.
أمّا الكلام ..
وجه الكلام فتّان، فاتحته زور وذيله بهتان.
وبطنه هذيان رأس محموم.

الثلاثاء، 18 أكتوبر 2016

فصول (1)


كلّ ما إنتهيت من فعلِ شيء ما، إلاّ وإقتلعت من رأسِي، بيدِي، شعرةً. لتنبت في مكانها اُخرٌ بيض، تصلحن لمُعاركة ما قدِم من الأيام الفاحمة.
كما أيقنت بعدَ إنتهائي ذلك، من أنّه لا جدوى، البتّة، من توقّع أي شيء، خاصّة ما ستأول إليه الأمور، كل الأمور. أمّا الجدير بنا حقاً، هو مضغ علكة كبيرة قبل النوم، لتطرد عنّا التفكير وتلهينا بسُكّرها عن فرك لحم الساكنين في مخيلتنا.
أنا التي كلّ ما إنتهيت من قراءة كتاب ما، عدت لأقلّب الاُوَلَ من الصفحات، مستعيرةً ضحكةً مسرحيةً طويلة، ساخرةً من جنون المؤلف وخياله الواسع. كنتُ كذلك. أمّا الآن فلا آراه سوى كمسكين محدود الخيال لم يتعلّم من وسع الحياة وجنون ما تخبيء الشيء.
كلّ ما أنهيت كتابا ما، إزددت للأرض تحسساً، مبالغةً في كرهي للمرتفعات، مع أنّني لا أخافها.
النهايات، هي خاتمة كتابٍ لمؤلفٍ واقعي جدا. النهايات تلك التي نكرهها في معضمها. لكنّنا لا نخافها وإن أجحفت.
أنا التّي أرتدي ماضيَّ الغزير، فتنام تفاصيله بين لحمي ودمي كورم خبيثٍ : توقظه الذاكرة، فيتفشى العُضالُ حتّى سفح الورق. أحمل حقائبي دائما معي، حتّى لا أكون ثقيلة على الوقت، متى خلَعت عنها الوجوه : الأقنعة. 
كما أحمل كلّ من أحبُّ : بداخلي. أحملهم وأدور حولي، بانتظام : الساعة. وعلى ضربٍ من الموسيقى أتجوّل في المكان. كمتصوفٍ ممتليء الايمان أدور، فيصلّي أحبتي معي. 
مربّع "جليز" يتّسع لكلّ من أحمل، ولكلّي. وبين خطوةٍ في الهواء أو بعضه، أرفعها لأضع الأخرى، متخلّصة بالحركة في المكان من خطوات الأمس المنتشر كمحرقة في رأسي. 
أدور هكذا ولا أتعب، طاردة عنّي الأمس، بالغد.
غادة طيب بلقاسم
(بدايات)
(نص معدّل / نصوص مُدمجة)
https://www.youtube.com/watch?v=FgtGlNtCIVg

السبت، 15 أكتوبر 2016

أصوات ساميّة (نهاية خضراء)


الحُداءُ للجمال المُترنّحةِ على كثيبِ الرّملِ : مشهدٌ  ساميٌّ منذُ نشأةِ الخليقةِ لم يفقد سِحرهُ ولم تُفكّ أسرارهُ.
الاَثارُ باديةٌ على الرّملِ من علياءِ السماءِ ومبتدإ الصَحراءِ، غائرةٌ كوشامٍ أخضر، خلّتها الحوافرُ علامةََ مُرورٍ، أبقتها هناكَ شهادةً بأنّا: قد مَررنا من هُنا.
المياهُ تُحوّطُ الموكبَ من كلّ اتّجاهٍ، تَعرفهم بأسمائِهم فتهتفُ بِها، تُشاغلهم بخَريرها لِيتأججّ عطشُهم فَيركظوا نَحوها، وكلّ ما هَرولوا باسمِ "الماءِ" واِستغرقوا في الصحراءِ إلاّ وابتلعتهم الرمالُ واتّسعَ المدى أكثرَ.
المياهُ تحوّطهم، أو قد صُوّرَ لهم، كما قد انقلبتْ بأذهانهم كلّ الأشياءِ وما تُصدرُ إلى مشاهدَ يستعينونَ بِتشكيلها علَى الحرِّ الذّي يفترسهُم : الابلُ سحابٌ طائرٌ / الشمسُ امتحانُ العسرِ المُنتهي باليُسرِ / النهايةُ خضراءٌ والرمالُ زرقاءٌ كالبحرِ.
النهايةُ خضراء ..
والدماءُ الجاريةُ مَجرى النهرِ قدْ أعشبت.
القلبُ يخفِق لا من شدّةِ التعبِ، لكنّ الدماءَ قد ألهتها الخُضرةُ من الصبِّ عندهُ.
قطراتٌ من العرقِ خرجت متسوّلة، فأرست على ظهرِ الدابّةِ، فأحدثت بُخارا لشذّةِ القيظِ، فلحِقتها دمعةٌ مُنسكبةٌ من عينٍ مغمضة ٍ،
فاختلطتِ السوائلُ على القشور.
غادة طيب بلقاسم

وجوهٌ عائمة (1)



قد أذّن الصبح -بلونه الأزرق، وغيمِه النديِّ، ووداعة مُحيّاه الباسم- باسم الوجوهِ المُستبشرة والوجوهِ المُكفهرّة والوجوه البين بين. باسم الطرقاتِ السائبة والطرقاتِ الملتوية والزقاق المنسيّة. باسم السماء وباسم الجحيم.
حِذاءٌ مقطّع داست نعالهُ المُتّسخة بالوحلِ سجّادَ بهوٍ فاخرٍ، سارعََ العاملُ بتنظيف السجّادِ، لتطَأه نعالٌ أخرى لم تلامس الطينَ أبداً، وجهُ الحذاءِ برّاقٌ ترى عينُ الواحدِ عليهِ إنعكاسها وفمهُ لم تلجه غير الأقدامِ الغضّة.
النسيمُ المداعبُ للأوراقِ الصفراءِ الوهِنة (لا تنقصُها غير نفخةُ وداعٍ لتخُطّ أجلَها) والمتشّبثةُ بمنبتِها (بأسنانِها) كآخرِ الأوطانِ / خوفاً عليها من بردِ اليابسةِ المُميت / خوفاً عليها من تشريدٍ جماعيٍ لا عودةَ بعدهُ.
(النسيم لطيفٌ) قالت خصلاتٌ سائبةٌ لفتاة عشرينيّة تُدحرج بيدها من خلال شبّاك غرفتِها المطلِّ على البحرِ.
(النسيم أوّلُ العواصفِ) قالها زورقٌ عائمٌ أجهدت سطحَه -المغلّفِ بأنواعٍ من الدهانِ الرخيصة- الأمواجُ.
(النسيم يُقلقني) قالتها غيمةٌ لم ترَ أنّ أوان ولادتها للمطرِ قد حان.
(النسيم هِبة الله) قالها برعمٌ قد استقبل لقاحه حديثاً.
(النسيم زيادةُ تعبٍ) قالها قميصٌ مرقّعٌ يخافُ المطرَ والشمسَ ولا يحبُّ الهواء ولو كان خفيفاً حتّى لا تتسعَ مسامهُ أكثر.
أوجهُ الخلق كبحرٍ عائمٍ، والرؤوسُ من السماءِ نراها كثيرة. ومشية المتعبِ المترنّحةِ كمشيةِ الراكضِ كمشيةِ النائمِ كلّها للأمام. لا نعيشُ الأمسَ ولا نعودُه سوى مُتذكّرين، أو نائمينَ حالمين، أو كارهين لأعمارِنا راجين الأمسَ حتّى نُحبّنا في الغدِ أكثرَ.
قد أفلَ الصبحُ وسادتِ الظلمةُ العوالمَ، وارتمت الأبدانُ بأثقالها على الأسطح، بعضُها وثيرٌ مكتنز وبعضها أملسٌ وبارد، واُغمضتِ الأعينُ لتعيش عيشتها الأخرى. بعضها مُحبّبة لو طالت أكثر والأخرى كوابيس تُنقص من عمر الواحدِ أعمار.
https://www.youtube.com/watch?v=FgtGlNtCIVg
غادة طيب بلقاسم



السبت، 8 أكتوبر 2016

صفير

يرتفع الصفير بأذنها اليمنى شيئا فشيئا، ثمّ ينتشر في سائر جسمها، صانعا وراءه آثار نملة، ترتفع بها أفكارها خطوات عن الأرض، تجاري بحركاتها مقطوعة un nouveau départ للثلاثي جبران، هي لا تستطيع نسج حركات متناسقة بجسدها، لكنّ النسق الذي يبعثه الأخوة بداخلها يدفعها للحركة.


الأحد، 2 أكتوبر 2016

البداية الكلاسيكيّة / جرَسُ الانفجارِ


أثقلُ جزءٍ في كل ما يُكتب ،، وأصعبهُ : البِداية
البدايةُ ثقيلةٌ كلِسانِ طاغيةٍ يَطلُب الشهادةَ ساعةَ أجلهِ.
(البدايةُ المُعادة) مُبتذلةٌ كنشراتِ الأخبارِ التّي حدّثنَا عَنها (الماغُوط).
البدايةُ : فخٌ .. وأنا لا اُحبّ الفخاخَ ولا الوُقوعَ فيها.
لِذلك سأستعيضُ عن كلّ هذه الكلاسيكيّات المُحرقة وأستقيلُ الكتابةَ .. ثمّ أنفجِر !
ففي لحظةِ الاِنفجارِ، لا حديثَ لنَا عنِ البدايةِ ولا محلّ لها ولا طائلَ من ذكرِها في جداولِ الأممِ "المكبوتة" ولا الاحصاءاتِ الدوليّة ولا القوميّة (عددُ الضحايَا، نِسبُ الخسائرِ .. أحذيةُ الصِغارِ المثقوبَة، الفناجِينُ المُحطّمة : فناجينٌ كثيرا ما أعدّت فِيها الأمّهاتُ القهوةَ لصغارهَا على شاكلةِ قهوةِ درويش. جميعُها لا بِدايةَ لها ولا حظّ لهَا من تلكَ النهاياتِ التي نسمّيها "سعيدة" ..
حتماً لا بداية للهاوية ولا بداية للثُقب ولا بداية للأَسْرى ولا بداية للحَـرْبِ ولا بداية للعَبثِ ولا بداية للـلَـيْل ولا بداية للمَـوْتِ ولا بداية للكذِبِ ولا بداية لضحاياه. سأفرحُ لكوني شظيّةَ قنبلةٍ "مجهولة" عن كوني "بداية مملّة" .. فالبدايةُ "تاريخ جامد" في عِلياِ الكُتب. أمّا الشظيّة فهولُها كبيرٌ، لكنّها مفقودةٌ بالانفجارِ. هل حاولتَ يوماً اصطياد طلقةٍ أو ايجاد شظيّة في كلّ هذا الركامِ الذي نعيش؟ .. جميعُنا ركامٌ وكلّنا قنابلٌ موقوتة وطلقاتٌ تنتظرُ دوسةَ زنادٍ. كلّنا حطامُ فعلِ ما ،، كلّ الأفعالِ قاتلةٌ وإن كانت رحيمة أو تدّعي ،، كلنا مغلوبٌ وجميعنا ندّعي الغلَبة. 

هذهٍ بدايتي مع الانفجار.
اجتمعت البدايةُ هنا وأحببتُها.
فاليومَ أمسكتُ بشيءٍ يعجبُني : أن أنفجِر.
غادة طيب بلقاسم
(نص معدّل) 

السبت، 1 أكتوبر 2016

جرَس (صوتُ البداية)

صيحةُ الوِلادةِ، جرسُ اِنبعاثٍ، وبدايةٌ صوتيّة لا تُخلّف وراءها غيرَ صدًى خفيفٍ على صفحةِ الذّاكرة (ذاكرةُ الأمّ الجديدةِ بصَحيفتها المغسُولةِ من الخَطايا / ذاكرَةُ المولودِ بالنُقطةِ السّوداءِ التّي تؤمًّ كتابَهُ، مِثلُها تلكَ التّي تنغرسُ كاللقاحِ في قلبِه (علّها تكبرُ / علّها تُنتشلُ كما اِنتشلها الجّبريلُ من قلبِ "أبانا").
 "العذراء"، سطرٌ ملحمِي من تاريخِ الانسانيّة. سطرٌ "فاتحَة"، بأجرِ "كتاب". ناقوسٌ عذبٌ لكنيسةٍ مريميّةٍ.
سكونُ اللّيلِ، نايٌ صوفيٌّ ينفخُ في رحمِ هذه الحياة. الأحمرُ في السماءِ، فجرٌ مستيقظٌ يقرعُ بابَ الرّحمةِ، فتجيبُه الأرضُ "حيّ" إلى الأمامِ.
البدايةُ، صوتيّة في معظمِها، وداخليّةٌ في أغلبِ الأحيانِ. تجيُ على الانسانِ مُحمّلةٌ بالانتظارِ: لذيذةٌ كآخرِ رشفةِ قهوة، وثائرة كأوّل قطرةِ مطرٍ تغادرُ السحاب / بطعمِ الوقتِ ورائحةِ الأرض عقُب ليلةٍ ماطرةٍ.
البداية، بعثةٌ اِلاهيّة للتغييرِ.
هي "ثورةٌ" ،، أو مَا يُعادلُها (عزماً).
بمقدارِ المستحيل (أفاقاً).
وبجنونِ اللّيل (حدوداً).
البداية هي الغد .. جرسٌ داخليٌ يصدحُ بالأفضلِ / ذلكَ الموعودُ الذّي أخبرتنا عنهُ -دائما-  كلُّ "الكتب".

مشروع (جرَس)
غادة طيب بلقاسم