قد أذّن الصبح -بلونه الأزرق، وغيمِه النديِّ، ووداعة مُحيّاه الباسم- باسم الوجوهِ المُستبشرة والوجوهِ المُكفهرّة والوجوه البين بين. باسم الطرقاتِ السائبة والطرقاتِ الملتوية والزقاق المنسيّة. باسم السماء وباسم الجحيم.
حِذاءٌ مقطّع داست نعالهُ المُتّسخة بالوحلِ سجّادَ بهوٍ فاخرٍ، سارعََ العاملُ بتنظيف السجّادِ، لتطَأه نعالٌ أخرى لم تلامس الطينَ أبداً، وجهُ الحذاءِ برّاقٌ ترى عينُ الواحدِ عليهِ إنعكاسها وفمهُ لم تلجه غير الأقدامِ الغضّة.
النسيمُ المداعبُ للأوراقِ الصفراءِ الوهِنة (لا تنقصُها غير نفخةُ وداعٍ لتخُطّ أجلَها) والمتشّبثةُ بمنبتِها (بأسنانِها) كآخرِ الأوطانِ / خوفاً عليها من بردِ اليابسةِ المُميت / خوفاً عليها من تشريدٍ جماعيٍ لا عودةَ بعدهُ.
(النسيم لطيفٌ) قالت خصلاتٌ سائبةٌ لفتاة عشرينيّة تُدحرج بيدها من خلال شبّاك غرفتِها المطلِّ على البحرِ.
(النسيم أوّلُ العواصفِ) قالها زورقٌ عائمٌ أجهدت سطحَه -المغلّفِ بأنواعٍ من الدهانِ الرخيصة- الأمواجُ.
(النسيم يُقلقني) قالتها غيمةٌ لم ترَ أنّ أوان ولادتها للمطرِ قد حان.
(النسيم هِبة الله) قالها برعمٌ قد استقبل لقاحه حديثاً.
(النسيم زيادةُ تعبٍ) قالها قميصٌ مرقّعٌ يخافُ المطرَ والشمسَ ولا يحبُّ الهواء ولو كان خفيفاً حتّى لا تتسعَ مسامهُ أكثر.
أوجهُ الخلق كبحرٍ عائمٍ، والرؤوسُ من السماءِ نراها كثيرة. ومشية المتعبِ المترنّحةِ كمشيةِ الراكضِ كمشيةِ النائمِ كلّها للأمام. لا نعيشُ الأمسَ ولا نعودُه سوى مُتذكّرين، أو نائمينَ حالمين، أو كارهين لأعمارِنا راجين الأمسَ حتّى نُحبّنا في الغدِ أكثرَ.
قد أفلَ الصبحُ وسادتِ الظلمةُ العوالمَ، وارتمت الأبدانُ بأثقالها على الأسطح، بعضُها وثيرٌ مكتنز وبعضها أملسٌ وبارد، واُغمضتِ الأعينُ لتعيش عيشتها الأخرى. بعضها مُحبّبة لو طالت أكثر والأخرى كوابيس تُنقص من عمر الواحدِ أعمار.
https://www.youtube.com/watch?v=FgtGlNtCIVg
غادة طيب بلقاسم

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق