الاثنين، 23 سبتمبر 2019

سحاب اللّيل


جرس-صوت البداية ومئذنتها

كلما ساءت الأمور كثيرا.. كثيرا كان الفرج: سكينة داخلية خيط دخان كثيف يمر أمام ناظري وجه يسبح في السقف تكاشفه عيني فيتبخر أشكال تراقص من حولها جيئة وذهابا وأصوات تهمس بإسمي حتى لا أنام أخيلة بيضاء تعاند حزن الليل لمعانا تقتفيها يدي فتنتشر في المكان: كمحرقة أضيع وراء هواجسي وألهث عطشا لأتوقف عند ورقة خريف قد جف فيها عرق الندى تعبث بها مخيلتي فتتطاير على إثر الرياح مجنحة تراقصها فلا تمانع.. تلوح الورقة من بعيد كأنها الفرح لولا موسيقى الزوابع: صفير يصم الأذان وأتربة الرياح العمياء: فيها نوايا الخريف القاتلة وفيها ذاكرة هوجاء وأفرشة غبار وساعات لا تعمل وتفاصيل لا يتوقف عندها أحد.. لولا التجاعيد ولون السماء الباهت وحشرجة الأصوات لقلت أنها خلقت لتفعل بها الرياح ما شاءت: تقاتلها أو تراقصها دون أن تعاند، ثم ترمي بها في حدائق الناسات دواء كما يقولون.. لقلت أيضا أنها مزهوة بكسوتها الصفراء وبفرقعة الأشياء من حولها وتكدس الوقت في الحلق كأنه غمامة. وبموتها في البعد والجو موحش والسماء معبدة بالمطر وبالبكاء.

خيط دخان آدمي يخترق عزلتي ويذهب منتصرا. خيط حقيقي كأنه الصباح. وأنا من مكاني أتلاشى في ما قد مضى. غائبة عن كل ما يحدث وعني.. تلوكني أيامي دون رحمة.. أشيخ كل ليلة والعمر رياح وعواصف والوقت قد توقف منذ زمن والفكرة ورقة هزيلة لا حول لها ولا جذور ولا منبت. إذا ما سألني أحدهم عن عمري: أجيبه بأنه كثير من الأسئلة ومن الأوراق الصفراء ومن الضياع في أروقة خلت بعدها هياكل ومدن.. أما خلاصي كله في غد بعيد جدا أعمق من هذا الليل الكثيف وأبعد من كل هذا الغياب.

غادة الطيب بلقاسم
ليلة من ليالي سبتمبر ٢٠١٩


الخميس، 13 يونيو 2019

عام الجراد

كما تجرّدت حقول الزيتون من زيتونها، وألقت عنها همومها والأثقال، تجرّدت السماء من لونها الأزرق، فباعدَ عن سُحبها الهاربة من فوهة البركان، البركان. كما تسرّبت إلى عيون الليل اليقظة، استفاقت على خبرٍ مستعجلٍ بالكتمان. قالوا عنها أنّها خائنة لتلك السحب الراحلة، خاشعة خشوع المتوضيء من بئر الٱثام بالغفران. بدّلت عنها الوجوه، بصفائح بيضاء وملامح من عجين. ملامح لا ملامح فيها، لا سكون ولا ضجيج. خوّنوها ، فقلت لها كوني صخرة. كوني وسطا صامتا، كوني ساكنا جامدا، كوني بئرا جافا، كوني ناصية ملساء، كوني دائرة بلا قوائم، كوني حائطا أعوجا، كوني سندا أعرجا، كوني فراغا لا حدود معه ولا مُمسك له ولا ٱخِر. خانتهم في موتها وأرقها الدائم وصمتها المطبق على صدرها بالقضبان. خانتهم بثغرها الباسم على مضض وبصوتها المرتعش دائما. خانتهم لتصبح صفرا ولاّدا؟ لا، قلتُ لها. لا تكوني ولاّدة وإن كنتِ صفرا على جدار، كوني عاقرة المَبسَم، مُتبلّدة حتى العزوف. كوني صخرة لا يثقبها الزمن ولا يمرُّ من بين مسامها الضوء ولو كان ثورة. كوني لا شيء وإمضي إلى شيئك المُنتظر كنيزك مُحترق.
غادة الطيب بلقاسم
13 جوان 2015

متى سنغيّر ما بأنفسنا؟




"إن الخيال هو الحلم بشيء أفضل من الواقع
والذين لا يفكرون في غير واقعهم لا يرون شيئًا غير أقدامهم
وعادة ما يسقطون”
(فاروق جويدة)

التغيير يبدأ أوّلا بالاعتراف بأنّنا على هامش هذا العالم: لسنا سوى حفنة من البشر تتخبّط في الطين، تخطط لحياة تكون فيها هي التابع المُبجّل، كأن نقول مثلا: ما دامت أمريكا صديقتنا / وفرنسة حبيبتنا / وروسيا "خاطيتنا": نحن في أمان.
عقلية الأمان عند العربي في تونس أو خارجها من هذا الوطن المترامي هي أن نعيش بالسترة، نأكل قمامة "الأسياد" / نتنقل ونلبس بالاقتصاد المُهرّب / نقترض من هذا ونستدين من ذاك .. مقابل حياة وهميّة يغيب فيها الطموح ويخبو فيها الإبداع.
التغيير يبدأ بالكفّ عن التقليد الأعمى وأن نلتفت إلى أنفسنا أو ننقلب عليها، حتّى نتذوق حياتنا الفريدة والوحيدة قبل فواتها وفواتنا، فنقول "يا ليتني أعددت لحياتي". أن نراهن على أنّنا المخلوق الذي قد بجّله الله لحياة يَأُمُّها العقل ويرعاها القلب. أن لا نُضيع هذه الهبة الالاهيّة وهذا الوقت في النوم ومراقبة سنوات عمرنا وهي تمرُ من أمامنا.
أن لا نعود إلى تاريخنا عودة المهزوم ولا عودة حنين لأمجاد لسنا على صلة زمنيّة بها. وأن نبدأ تاريخنا من هذه اللحظة حتّى يكون تواصلا بعد غفلة.
قبل أن نبدأ .. لنفترض لنفترض أنّنا بخير.
وقبل كل شيء .. لنقرأ .

البداية الترويجيّة لسلسلة #الرسالة_الورقية من فكرة #قول_على_نص:
https://www.youtube.com/watch?v=7XOB9C6GSEI
رابط الصفحة:
https://www.facebook.com/sawtjarasse/
رابط المجموعة:
https://www.facebook.com/groups/807450212958217/

السبت، 13 أبريل 2019

تنهيدة

أسامح دائما، إلاّ من كان يعرف دواخلي، ولا يجد لي العذر وإن أخطأت.
أحبّ الجميع، ولا غيري يعلم أنّ الجميع هما غيم وصيف.

بقايا الخريف، حثالة حديث بين إثنين، أثره ناضج على كأس قهوةٍ لم يتخمر وجهها بعد.

سؤال الوجود، هي مشاهد مكرّرة في رأسٍ لم يغرهِ الظلامُ بعد بـ "التحرر"، كما لم يتدرب منذ نشأته المشي على الصراط، ليلبس العمامة وداخله زنديق.
سؤال الوجود، هو أن لا أرتاح النوم / لا أرتاحه عارية منّي / إلاّ بجانب أمّي، لتحرس جسدي من سكاكين القدر.
الفعل الوجودي الوحيد إلى حدّ اليوم، أنّني أفلحت الوجود خارج أسواري، لأصدح بي / ويسمعني أحدهم / ولا أخاف. 
2016/04/10




قد تحول جسمي إلى مكعب جليد. ورأسي من فوق يشتعل كجمرة. دمائي بحار من الدموع المالحات. وحنجرتي كهف تتدفأ داخله الأصوات وتحتسي وتضحك. الأسماء تجول
 بخاطري بسرعة الأنجم وتنتقل عبر السيالات فتلسعني. أفتح فاهي لأطلق صيحة قد طال اختناقها:
لعلي أسترد صوتي الضائع، فأستريح من تعب السكوت.
أستغيث السماوات بآعلاء صوتي، فيتشقق الجليد ويهديني الصدى:
الصفير، فالهواء، فالسكون.
أشاهد الطيور وهي تغادر أغصاني. أصيح ثم أتعب، ومن بعد الجهاد أعود لأصيح. فيخرج صوتي مبحوحا صدء: كناقوس هرم. كصرير باب قديم. كمدخنة مغلفة بتراب الأيام، قلبها يشتعل: أكرر أيامي. يتحول قلبي إلى رخام. وكسائي من اللحم يستحيل إلى كتلة من طين.
2018/03/22


غادة طيب بلقاسم