الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

كلام من حميم

صورة للفنان التشكيلي الليبي معتوق أبوراوي

الكلمات.. لا تعدو أن تكون مخلوقات طفيلية غرست في أحشائنا وجعلت لها منبت وجذور. منها الطيب وبعضها الآخر سام. أما النوع الأول فنادر. والثاني طبعا فسريع النمو والانتشار، وعندما يتعاظم حجمه يتم اقتلاعه بواسطة حبال غليظة ومتينة، ليخرج علينا كخلية نحل قصد الفتك بنا حتى الموت. يذكرني الحبل بلعبة يحاول فيها القوي جذب الأضعف منه لساحته، ليقعا في النهاية بكيفية يكون فيها المنتصر جاثيا على ركبتيه، أو على بطنه إذا ما أبدى الخصم مقاومة أكبر، أما المهزوم فيكون طريح الظهر منكسر اليدين على وجهه مواصلا الدفاع عن نفسه حتى بعد إعلان الهزيمة. هي لعبة الساحات وعرض للقوى، كأن يشد كل حبل كلمة إلى الخارج فترتطم بأول وجه يصادفها وتصفعه، كسمكة دفعت غصبا من حوض الماء إلى ساحة تجهلها ولا تستطيع فيها ابتلاع أنفاسها، حتما ستستقبل أول شيء ترتطم به بالصفع لا بالقبلات. هي ذات القواعد في لعبة الكلمات، يندفع مركب لاذع نحو الخارج، فيما تنزلق الكلمات الدافئة نحو الداخل، تنزلق هكذا وتتبخر من ضعفها.
ماذا لو خلق الواحد منا أخرسا، وكانت أسباب الموت هي  التفكير في النطق ودفع الكلمات خارج الجسد، وكلما كان عدد الكلمات أكبر كأن يفكر أحدهم في قول خطبة يكثر فيها الكذب، كانت ميتته أشنع، كأن ينفجر ويتوزع جسمه شتاتا على جدران الجيران. التفكير في الكلام، مجرد التفكير فيه، عبارة عن قنبلة متفجرة لحما
لخفت الأرض أكثر، فالناس ومن عليها متوزعون بالعدل، كل يحاول بلع بلعومه، فرادى فرادى، لما اجتمع عندها عدد هائل من البشر في حفلة للنميمة، ولما اجتمعوا أيضا في مأتم للنميمة أيضا، لما اجتمع الساسة لاقتسام المرطبات، ولما سافرت تلك السفينة الملعونة لإبادة الهنود في بعيد أرض الله من شمال إفريقية. لخفت الشوارع من العيون، ولأسرع الناس إلى هدفهم أكثر. لمات الصوت المعشش في رؤوس البعض، ولارتاحت الحقيقة وسافرت الأحلام عند فرويد، لصمت الجميع أولهم معتنقو التنمية ومذيعي الأرصاد ومتفقهي النفاق، ولارتاح التاريخ من تكرار نفسه عبثا، ولنقيت الكتب من شوائب البعض من حفظتها زورا. ولتحطم المذياع من عند نفسه، ولتفرجت التكنولوجيا على بعضها وتثاءبت مللا.
ولسكنت الديار من الحروب ولتفجر المرتزقة حتما، ولضحكت الحوريات من أشلائهم كثيرا. ولما كانت الحاجة
لهذا المعجم (سياسة دولية علاقات استراتيجية ديبلوماسية ونظرية وتكتيك عدو او صديق.. ولا وسفارات ولا حب)
غادة الطيب بلقاسم

Photo: ART.iculer