الثلاثاء، 2 أكتوبر 2018

سباحة على الرصيف


لي في فهم الكلام ما ليس لكم في قوله
تجتمع النوايا مشكلة قوسا داكنا في السماء
وأنا في الأسفل أترجم كل ما لم يقال
من السهل على الريح المسافرة أن تعكر صفوي
تجرحني نبرة المتكلم: إذا ما كانت حادة
ويؤنسني صمت الخليقة وكفافها عني

أقف أمام فعل لا شيء رافعة سيفي
من الدموع ومن الأوجاع
كلمة بسيطة لا معنى لها..
لها أن تخلف كما هائلا
من الركام ومن العطش

كأني قد خلقت من "وهن"
لا "من صلصال من حمإ"
خلقت شفافة ومختفية
وزادت الأيام فأنهكت أضلعي
باللحم .. وبغبار الرحيل
وبتبدل الوجوه
وبتقلبات الطقس المجنون

خلقت على اليابسة في يوم كان حر
لا أحب من البحر غير رائحته
لا أبحث في موجه عن المتعة
لم أتعلق بالقش.. يوما
لكنني تعلقت بالغرقى
لأسبح في النهاية
في مالح عبراتي.
غادة الطيب بلقاسم
25 سبتمبر 2018

لوحة من أعمال التشكيلي نذير نبعة

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2018

كلام من حميم

صورة للفنان التشكيلي الليبي معتوق أبوراوي

الكلمات.. لا تعدو أن تكون مخلوقات طفيلية غرست في أحشائنا وجعلت لها منبت وجذور. منها الطيب وبعضها الآخر سام. أما النوع الأول فنادر. والثاني طبعا فسريع النمو والانتشار، وعندما يتعاظم حجمه يتم اقتلاعه بواسطة حبال غليظة ومتينة، ليخرج علينا كخلية نحل قصد الفتك بنا حتى الموت. يذكرني الحبل بلعبة يحاول فيها القوي جذب الأضعف منه لساحته، ليقعا في النهاية بكيفية يكون فيها المنتصر جاثيا على ركبتيه، أو على بطنه إذا ما أبدى الخصم مقاومة أكبر، أما المهزوم فيكون طريح الظهر منكسر اليدين على وجهه مواصلا الدفاع عن نفسه حتى بعد إعلان الهزيمة. هي لعبة الساحات وعرض للقوى، كأن يشد كل حبل كلمة إلى الخارج فترتطم بأول وجه يصادفها وتصفعه، كسمكة دفعت غصبا من حوض الماء إلى ساحة تجهلها ولا تستطيع فيها ابتلاع أنفاسها، حتما ستستقبل أول شيء ترتطم به بالصفع لا بالقبلات. هي ذات القواعد في لعبة الكلمات، يندفع مركب لاذع نحو الخارج، فيما تنزلق الكلمات الدافئة نحو الداخل، تنزلق هكذا وتتبخر من ضعفها.
ماذا لو خلق الواحد منا أخرسا، وكانت أسباب الموت هي  التفكير في النطق ودفع الكلمات خارج الجسد، وكلما كان عدد الكلمات أكبر كأن يفكر أحدهم في قول خطبة يكثر فيها الكذب، كانت ميتته أشنع، كأن ينفجر ويتوزع جسمه شتاتا على جدران الجيران. التفكير في الكلام، مجرد التفكير فيه، عبارة عن قنبلة متفجرة لحما
لخفت الأرض أكثر، فالناس ومن عليها متوزعون بالعدل، كل يحاول بلع بلعومه، فرادى فرادى، لما اجتمع عندها عدد هائل من البشر في حفلة للنميمة، ولما اجتمعوا أيضا في مأتم للنميمة أيضا، لما اجتمع الساسة لاقتسام المرطبات، ولما سافرت تلك السفينة الملعونة لإبادة الهنود في بعيد أرض الله من شمال إفريقية. لخفت الشوارع من العيون، ولأسرع الناس إلى هدفهم أكثر. لمات الصوت المعشش في رؤوس البعض، ولارتاحت الحقيقة وسافرت الأحلام عند فرويد، لصمت الجميع أولهم معتنقو التنمية ومذيعي الأرصاد ومتفقهي النفاق، ولارتاح التاريخ من تكرار نفسه عبثا، ولنقيت الكتب من شوائب البعض من حفظتها زورا. ولتحطم المذياع من عند نفسه، ولتفرجت التكنولوجيا على بعضها وتثاءبت مللا.
ولسكنت الديار من الحروب ولتفجر المرتزقة حتما، ولضحكت الحوريات من أشلائهم كثيرا. ولما كانت الحاجة
لهذا المعجم (سياسة دولية علاقات استراتيجية ديبلوماسية ونظرية وتكتيك عدو او صديق.. ولا وسفارات ولا حب)
غادة الطيب بلقاسم

Photo: ART.iculer

السبت، 20 يناير 2018

وجوه عائمة 3 - نصٌ قبيحٌ



سأحلم - يقولها "درويش" معلنا عن بدء جداريته.
"سأحلم، ربما اتّسعت بلاد لي". يتعالى نشيجه رافعا باسم الحياة راية تخفق رغم ضيق الشوارع، برد الضلوع والحنايا،  وقبح الظلام .
ينسحب آخر صوت أجش من حنجرته، وتتلاشى المعاني رويدا عن مفكّرتي، ليبقى الحلم.
إذن سأفعل كما فعل الجدار  برأس محمود، و"أنسى الألم".
أرتمي بجسمي إلى الوراء، وعلى مهل يرتخي رأسي نحو الجدار، أنسى الأسامي وينساني الوقت، أركز فقط على استقامة رأسي حتّى لا تقفز الوعود التي أقسمت بالمقدسات على حفظها،:كأن لا أضرب برأسي عرض الحائط، كأن لا أتراجع في خلوتي وتنساني الممرات. أستلقي هكذا في هدوء من الحياة، ساحبةً الهواء بعنف إلى رئتيّ، مُنفِسّةً التراب عن جثث مكامني،  مغمضة عيني عن الدنيا. ربما عقب كلّ هذا التعب: سأحلم.
تنفرج صفحات الرواية عن وجه غليظ الملامح، دميمهِ، ربما ذلك الوجه هو أسئلتي المعلّقة.
خليط من الأعين والأجناس. ورائحة من الماضي تفوح كريهةً. وحواراتٌ مبحوحةٌ. ودخانُ السّنين.
هي عاداتي في فتح الروايات جُملةً. مقارنَةً بذلك جنون كتّابها.
واللّيل عين اللصوص وجليس السحرة. يتربص بوعودي. ليجرني نحو الجنون.
تتهالك الشخوص متعبةً في شكل وحش آدمي.
تختلط أسماؤهم وعناوين منازلهم ويفيض الزمان من الورق.
يعاتبني بطل الرواية الأولى بأنّني سرقت الوقت منه ومنحتها لبطل الرواية الثانية.
يعاتبني الثاني بأنّني لم أكن مخلصة القراءة وأنا أفكر في مصير الأوّل.
تعاتبني أيّامي على كلّ هذا الهذر.
وتفوح من دواخلي -وأنا في ااستقالتي تلك- رائحة شواء.
يعلو الكرسي بيا نحو السماء.
أو تنخفض الأرض من تحتي.
هي عادتي التي أقسمت أيضا على التخلص منها.
ولم أفلح:
الندم.

غادة طيب بلقاسم